Jump to ratings and reviews
Rate this book

الدولة المركزية في مصر

Rate this book

236 pages, Paperback

First published January 1, 1989

Loading interface...
Loading interface...

About the author

Nazih N. Ayubi

14 books47 followers
Nazih Nassif Mikhail Ayubi, political scientist and Middle East scholar, was born in Cairo in 1944 where he held his first academic posts before taking an Oxford Doctorate and a Professorship at Cairo University. After four years as a Professor at the University of California Los Angeles, he came to the University of Exeter in 1983. He played a key role in the development of Middle East studies at the University, and was also a member of the Politics Department. His research interests included Egyptian politics, political economy, international relations and the international politics of Islam. He was also a Fellow at the University of Manchester and at the European Institute, Florence. He died in 1995.

His publications include Political Islam (1991) and Over-stating the Arab state (1995).

Arabic profile: نزيه نصيف الأيوبي

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
10 (26%)
4 stars
18 (47%)
3 stars
8 (21%)
2 stars
2 (5%)
1 star
0 (0%)
Displaying 1 - 14 of 14 reviews
Profile Image for BookHunter M  ُH  َM  َD.
1,524 reviews3,855 followers
January 1, 2023

حاول محمد علي إقامة اقتصاد معاصر مع الحفاظ على علاقات مميزة لنمط الإنتاج الخراجي. و عبدالناصر حاول تحقيق تنمية اشتراكية تعتمد على الجهاز البيروقراطي و على الطبقة التكنوقراطية. و في كلتا الحالتين انفجرت التناقضات الداخلية بعد الهزيمة العسكرية: 1840 في حالة محمد علي و 1967 في حالة جمال عبدالناصر.
لماذا أقرأ هذا الكتاب الذي يبدو صعبا و متخصصا؟ لأفهم سلوك الشعب المصري المتوارث و المتمثل في عبادة الدولة و الحاكم و الخلط الشديد بين الدولة و رمزها المتمثل في من يديرونها ثم اختزال كل من يديرونها في شخص واحد هو من يجلس على الكرسي الكبير.
ارتبط هذا السلوك تماما بفكرة مركزية الدولة التي تميزت بها الدول الشرقية الأسيوية خصوصا دون الغربية نظرا لاعتمادها على دول زراعية نهرية مستقلة يربط بينها مجرى النهر و توحدها مشاريع الري العملاقة التي لا غنى عنها.
و الخلاصة أن النمط الأسيوي يعبر عن مجتمع شديد التنظيم نازع إلى الركود و لكنه مجتمع يبطن قوى تعمل ضده. و تتخذ حركات الاحتجاج الاجتماعي فيه أشكال مختلفة من إدانة الدين الوثني المركزي إلى الهروبية الفردية مارة بتلك التنظيمات الحلقية المصنوفة التي تشكل نوعا من المشترك المضاد الذي يبحث الفرد بواسطته عن تحقيق التآخي المفتقد في مجتمعات الطغيان.

ليس هناك إذا في الدولة الشرقية أي فصل مبدئي من الناحية النظرية بين طبقة الملاك القائمين بتوجيه النشاط الاقتصادي و بين أجهزة الدولة القائمة بالنشاط السياسي و القمعي (و هو الفصل الذي تقوم عليه الدولة البرجوازية الحديثة) و من النتائج المترتبة على ذلك أن أي فئة تطمع في توسيع نصيبها من الفائض الاقتصادي لا يكون أمامها إلا الاستيلاء على الدولة مباشرة إما بالتسرب إلى أجهزتها أو بالعنف الصريح.

و قد سبق أن رأينا أن تيار "الدولانية" الذي يستهدف توسيع دور الدولة الاقتصادي جذورا عريقة في التاريخ المصري. و قد رأي أصحاب هذا التيار في الخطوط العامة لتجربة محمد علي في التحديث و التصنيع عن طريق الدولة مثلا يحتذى به. و في صورته المخففة ركز أصحاب هذا التيار على المطالبة بحماية الدولة للمستثمر الصناعي الخاص.
أما تيار "الشعبوية" فهو يحتاج إلى وقفة هنا. فجذور الفكر الشعبوي مرجعها تصور العامة و بخاصة الفلاحين. أن حضور الحاكم العادل العطوف سيؤدي إلى توافر خيرات العيش و الحياة بالنسبة إليهم. و لهذا الفكر الشعبوي روافد قديمة تعود بأصولها إلى الفترة الفرعونية (تأمل "شكاوي الفلاح الفصيح") كما أن لها تعبيرات في الثقافة الشعبية الإسلامية و الثقافة الشعبية العثمانية.
و قد تلقفت ثورة يوليو هذين التيارين و حاولت التوفيق بينهما فدعمت تيار الدولانية كسبيل إلى التصنيع و التحديث و لكنها اهتمت في الوقت نفسه بمطالب الشعب و مصالح "قوى الشعب العاملة" و بتحقيق "منجزات الثورة و مكاسبها" المتمثلة في سياسات الرفاهة الاجتماعية المختلفة التي تعد من صميم التوجه الشعبوي.

يرجع جانب من الصعوبة إلى أن ما يسمى السياسات الاقتصادية غالبا ما تكون لها أهداف أخرى إضافية ذات طبيعة سياسية أو اجتماعية و أن الأهداف دائما ما تتشابك و كثيرا ما تتعارض. و قد رأينا أن سياسة التصنيع مثلا كان لها أهداف سياسية (تعميق التحرر الوطني) و أهداف اجتماعية (توسيع نطاق الفرص أمام الطبقات الشعبية) و بالمنطق نفسه نجد أن سياسة الإصلاح الزراعي كانت لها أهداف أخرى متشابكة كالرغبة في القضاء على النفوذ الاقتصادي للطبقات و الفئات المعادية للثورة و الرغبة في استمالة الجماهير الفلاحية إلى صف الثورة و الرغبة في تعميق تغلغل أجهزة الدولة في الحياة الريفية.
لقد تضخمت الدولة المصرية في الحقية الناصرية و توسعت على حساب "المجتمع المدني" فهل يمكن أن ننظر إلى الحركة الإسلامية (رغم خيالاتها و عنفها و كل ما يؤخذ عليها) على أنها الضربة التي يرد بها المجتمع المدني على افتئات الدولة على مجاله الحيوي؟
الكتاب به الكثير والكثير من التحليل والتنظير السياسي والسرد التاريخي لبنية الدولة المركزية المصرية و كيفية تشكلها عبر التاريخ و مدي تأثير ذلك على مستقبل الدولة المصرية حتي نهاية العقد الأول من فترة حكم مبارك و نجح في التنبؤ بصراع أجهزة الدولة و ان لم يكن بإمكانه توقع الظروف الدولية و المعلوماتية و الحراك الشعبي الذي حدث بعد ذلك.
Profile Image for Yaser Moh.
14 reviews6 followers
November 12, 2015
بدأ الكاتب دراسته بذكر المنهج المستخدم فيها وهو منهج الاقتصاد السياسي ذاكراً أن هذا المنهج ل�� يتم الاستفادة به من قبل في دراسة الدولة في مصر نظراً لهيمنة المدرسة السلوكية على علماء السياسة المصريين فجاءت غالبية المقاربات لهذا الموضوع من زاوية "النظام السياسي". ومنهج الاقتصاد السياسي قائم على أن الدولة"ليست كيان موحد أو متجانس، ولكنها تشهد وتختبر عديداً من عمليات الصراع والمساومة والإرغام والتراضي بين المصالح".
ويرى الكاتب أن تاريخ الدولة في مصر هو عكس تاريخ الدولة في أوروبا، فالمركزية تدعمت أولاً لأسباب جغرافية- سياسية بسبب نهر النيل ومتطلبات الري، ثم جاء محمد علي فبنى رموز الدولة القانونية الحديثة من وزارات ومجالس وبيروقراطية ، ثم جاءت الرأسمالية المصرية فبنت النظام الصناعي الرأسمالي المصري في فترة ما بين الحربين.هذه المرحلة الرأسمالية مرت بثلاث حقب هي الحقبة الليبرالية والحقبة الناصرية وحقبة الانفتاح.هذا النمط هو معكوس النمط الأوروبي في نشأة الدولة، فالرأسمالية ظهرت أولاً ثم تم بناء مؤسسات الدولة القومية ثم تم تدعيم المركزية في النهاية.وهذا النمط في نشأة الدولة يختلف عن مثيله في الدول العربية والتي كان معظمها صنيعة الدول الأوروبية فلم تستقر فيها تقاليد عريقة للدولة المركزية بل كان أحد أساليب (الاستعمار) الأوروبي في السيطرة على هذه المجتمعات هو خلق الدولة فيها بينما في مصر كانت محاولات السيطرة (الاستعمارية) عليها مقترنة بمحاولة إضعاف جهاز الدولة بها كما حدث في تجربة محمد علي.
من وجهة نظر الكاتب تعتبر قصة الدولة في مصر هي قصة التحول من نمط شرقي للانتاج إلى نمط رأسمالي، لذا لا يمكن فهم ظاهرة الدولة كتعبير قانوني وسياسي واجتماعي دون الاحاطة بالتطورات الاقتصادية التي طرأت على المجتمع.ولذلك ذكر الكاتب نظريتين:
1- نظرية النمط الآسيوي للانتاج لكارل ماركس.
2- نظرية الاستبداد الشرقي لكارل فايتفوجل

ركز المؤلف في الفصل الثاني على استعراض جذور وتطور الدولة المركزية في مصر من خلال استعراض أهم ملامحها والتطورات التي مرت بها في الفترات المختلفة من التاريخ المصري وهي:
1- كان العامل الجغرافي المتمثل في وجود نهر النيل والحاجة إلى ضبط مياهه من أهم أسباب قيام الدولة المركزية في مصر وكان الاهتمام بالنيل من أكبر اهتمامات حكام مصر على اختلاف العصور.
2- ساعد في تدعيم هذه المركزية ملكية الدولة للآراضي وضعف الملكية الفردية.
3- كان للعوامل الدينية أثر في تدعيم سلطة الحاكم سواء في العصر الفرعوني أو عندما تحولت مصر إلى ولاية عربية.
4- وجود جهاز إداري معاون للحاكم له تراتبية واضحة منذ عهد الفراعنة، وتقسيمات محلية إدارية.
5- في فترة الحكم العثماني شهدت البلاد صراع بين سلطة العثمانيين الممثلة في الوالي العثماني ومعاونوه والمماليك أصحاب الوجود القوي على الأرض.
6- كانت الحملة الفرنسية على مصر أول صدمة حضارية لمصر تركت آثارها حتى بعد خروج الفرنسيين عام 1801، فجاءت التنظيمات الإدارية التي أدخلها محمد علي شديدة الشبه مع النظم الفرنسية على الرغم من أن المركزية الشديدة كانت السمة الغالبة على فترة محمد علي.
7- طبقة الموظفين التي أنشأها محمد علي تحولت مع الوقت إلى صفوة بيروقراطية مالكة للأرض بعد انهيار نظام الاحتكار، وتدعم مركزها مع الإصلاحات التي أدخلها إسماعيل لتطوير مصر مما خفف من الطابع المركزي الذي ميز الحكم في الفترات السابقة.
8- مهد الاحتلال البريطاني لمصر الطريق أما ظهور السوق الرأسمالية من خلال دعم حرية التجارة والملكية الفردية في ظل قوانين مخالفة لما يخضع له المواطنون (الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة)، كما سمح الاحتلال بقيام أحزاب سياسية متنافسة. كل هذه التطورات أدت إلى تغيرات هيكلية في المجتمع المصري جعلت الحكم في فترة ما قبل 1952 أقل مركزية، فالقوى الاجتماعية المسيطرة كانت على ثلاثة أقسام:
- الرأسمالية الزراعية المتمثلة في طبقة كبار ملاك الآراضي الزراعية.
- طبقة المصرفيين الأجانب الذين سيطروا على أعمال المصارف والتجارة.
- الرأسمالية المصرية الناشئة والتي كانت في منافسة شديدة مع الطبقة السابقة والتي استفادت من إمداد الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، ثم تدعمت بعد ذلك بجهود طلعت حرب في العشرينات.
وكانت الأحزاب معبرة عن مصالح هذه القوى، فالأحزاب المحافظة مثل الأحرار الدستوريين كانت ممثلة للرأسمالية الزراعية، بينما كان الوفد داعم للرأسمالية المصرية الناشئة، وكان معظمها أحزاب أشخاص وليس أحزاب برامج.

وفقاً لمنظور الاقتصاد السياسي، فإن قصة تطور الدولة في مصر هي انعكاس لقصة تطور التكوين المصري من النمط الآسيوي باتجاه النمط الرأسمالي، فالأول ساد في مصر منذ الفراعنة حتى عهد العثمانيين والذي يعد حكمهم فترة انتقالية نحو النظام الرأسمالي، خاصة في فترة محمد علي.
اتسم تكوين الدولة المصرية منذ عهد محمد علي بأنه كان خليط من النمط الآسيوي والنمط الرأسمالي، فسمات النمط الآسيوي تمثلت في:
1- تركز السلطة في يد الحاكم تعاونه في ذلك مؤسسات حكومية مثل الجيش والبيروقراطية، وتقسم الدولة إلى وحدات ضريبية وإدارية يقوم جهاز الدولة بتلقى الفائض الكلي من القرى ثم يوزعه على أفراده طبقاً لتقاليد وتوازنات القوى المكونة للجهاز.
2- احتكار الدولة للملكية العامة للأرض والمناجم ووسائل الانتاج وكذل�� احتكار الأنشطة الاقتصادية الكبرى من صناعية وتجارية ومالية.
3- استمرار المكون الفلاحي والاعتماد على الزراعة كهيكل رئيس من هياكل الإنتاج.
أما النمط الرأسمالي فتمثل في:
1- بدء الانفصال بين الدولة والطبقة المالكة خاصة بعد انهيار نظام الاحتكار بعد نهاية عهد محمد علي.
2- بدء ظهور بنية حديثة للدولة المصرية تمثلت في إنشاء الدوواوين خاصة بعد صدور "السياستنامة" عام 1837، وأعيدت صياغة جهاز الدولة في عهد إسماعيل فأصبح الخديوي هو رأس السلطة يعاونه جهاز للدولة هيمن عليه الانجليز.
3- على الرغم من أن البرجوازية المصرية ��لناشئة هي التي ساعدت محمد علي في الوصول إلى الحكم إلا أنه كان يخشى منها فلجأ إلى الاستعانة بالبرجوازية الأوروبية فوقع عدد من العقود مع الشركات البريطانية مكنها من السيطرة على طرق ا��مواصلات بين القاهرة والأسكندرية, والقاهرة والسويس بل وسمح للتجار الانجليز بالعمل في مصر بعد توقيع المعاهدة العثمانية- البريطانية عام 1838، كما كانت صادرات مصر يشرف عليها الأجانب.
4- بدء تدهور المكون الفلاحي خاصة بعد التحول من الزراعة الغذائية إلى الزراعة السلعية (زراعة القطن والتي كانت محور الإصلاحات الزراعية في عهد محمد علي) واتجاه السياسة البريطانية إلى التركيز على زراعة القطن وتصديره خدمة لمصانعها.
وكان اندلاع ثورة 1919 علامة على محاولات الطبقة المصرية الجديدة الصراع مع الاحتلال لتحقيق الاستقلال، وظهرت في صورتها السياسية في تأسيس حزب الوفد وفي صورتها الاقتصادية في تأسيس بنك مصر. هذه الطبقة ترجع في جذورها إلى بداية عصر محمد علي والذي لعبت البرجوازية المصرية الناشئة دور في توليه السلطة ثم تنكر لها. كذلك تكونت هذه الطبقة من البيروقراطية المصرية التي نشأت في عهد إسماعيل والتي استطاعت مع الوقت الوصول لمراكز قيادية في جهاز الدولة.وفي ظل دستور 1923 كان جهاز الدولة محل صراع بين الأحزاب المتصارعة وإن جرى تمصيره بصورة تكاد تكون كاملة.

كان السعي لاستكمال بناء الدولة المصرية الوطنية الحديثة هو الهدف الرئيس لثورة 1952 بجانب تحقيق مستوى عال من استقلالية الاقتصاد المصري.وكانت علاقة النظام بالرأسمالية جيدة في الخمسينات، ولكن الدور السلبي الذي لعبته الرأسمالية المصرية بعزوفها عن المشاركة في التنمية، وكذلك الرأسمالية السورية بدورها في الانفصال أدتا إلى أن أدار النظام ظهره للرأسمالية والاتجاه نحو نوع من رأسمالية الدولة وهو ما ظهر في عمليات التأميم التي بلغت ذروتها في الستينات.
كذلك أدت حركة التصنيع الكثيفة التي قامت بها الدولة إلى ظهور قطاع عام قوي مسيطر على أطراف الاقتصاد المصري بدأت الثورة عهدها بقوانين الإصلاح الزراعي والتي هدفت في بعدها السياسي القضاء على نفوذ الطبقات المعادية للثورة واستمالة الفلاحين وتحقيق تغلغل أجهزة الدولة في الحياة الريفية، كذلك تحويل جزء من الفائض الاقتصادي المتولد من القطاع الزراعي إلى التنمية الصناعية، كل هذا أدي إلى زيادة نصيب القطاع الصناعي من الدخل القومي إلى 22%.
على الطرف الآخر كانت عملية البناء السياسي هي أضعف حلقات الفترة الناصرية، إذ ظل عبد الناصر معتمداً على كارزميته ولم يسعى إلى تحويلها إلى مؤسسات أو تقاليد سياسية (أو ما عبر عنه ماكس فيبر The Routinization Charisma)، و اعتمد كذلك على البيروقراطية مما أدى إلى سمتين ميزتا العهد الناصري:
1- المركزية وتوسع دور الدولة:
لم تقتصر عمليات التأميم على الجانب الاقتصادي فقط بل امتدت إلى الجانب السياسي فقد تم تأميم المجال العام وأصبحت السياسة مقتصرة على قضايا الإدارة وتنفيذ رؤية النظام وكان دور الحكومة هو حشد التأييد لسياسات النظام دون أي مناقشة حول الخيارات والأولويات.
وجاءت كل الإعلانات الدستورية ما بين عامي 1953-1962 لتكريس السلطة التنفيذية في يد الزعيم الكاريزمي وحده، وكان الاختيار يتم بناء على أهل الثقة وليس أهل الخبرة مما أدى إلى ظهور طبقة جديدة من المديرين والتكنوقراط مثلت فئة مستغلة جديدة حلت محل الطبقات التي سادت ما قبل الثورة.
2- دور البيروقراطية:
كان افتقار الضباط الأحرار لتنظيم سياسي جماهيري يقوم بسد الفراغ الذي حدث بعد إلغاء الأحزاب من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة الاعتماد على الجهاز البيروقراطي للدولة وهو ما ظهر جلياً في تضخم حجم هذا الجهاز، ففي الفترة من 1962/1963-1966/1967 زادت وظائف الجهاز البيروقراطي بنسبة 134% وزادت الأجور والمرتبات بنسبة 168%، في حين أن الزيادة في العمالة الانتاجية لم تزد عن 20%.
أدى هذا إلى تحول طبقي كبير فحلت الطبقة الرسمية الجديدة المكونة من مديرين وضباط وتكنوقراط محل الطبقات القديمة المالكة للأرض، كانت هذه الطبقة الجديدة هي المضطلعة بقيادة القطاع العام الذي سيطر على الحياة الاقتصادية في مصر.والعجيب أن هذه الطبقة نفسها تنكرت للسياسات الاشتراكية وأيدت سياسات الانفتاح الاقتصادي فيما بعد على أمل أن تتحول بها إلى مزيد من التوجه الرأسمالي.
لم ينحصر تأثير البيروقراطية في الجهاز الإداري للدولة فقط بل امتد إلى المنظمات والأنشطة السياسية فامتدت عملية التبرقط (تدخل الدولة في إدارة هذه المنظمات والأنشطة) إلى الاتحاد الاشتراكي ونقابات العمال والتنظيم الطليعي وغيرها، بل سيطرت الدولة على الجمعيات الخيرية من خلال وزارة الشئون الاجتم��عية والشئون الدينية من خلال وزارة الأوقاف.
بعد وفاة عبد الناصر سعى السادات إلى تدعيم موقفه السياسي من خلال التخلص من بقايا الناصريين، فقام بالإطاحة برموز التيار الناصري فيما عرف بثورة التصحيح في مايو 1971.ثم جاءت حرب أكتوبر والتي مكنت النظام الجديد من إخماد أهم مظاهر حركة التذمر الشعبي.
وكانت أزمة الانكماش التي واجهتها مصر منذ عام 1965 والتي تفاقمت بسبب الإنفاق العسكري خلال عام 1966 مروراً بهزيمة 1967 جعلت استمرار الدولة في أداء دورها التنموي والرفاهي أمراً غير ممكن. وهنا وقع الخلاف بين جناحي النخبة الحاكمة انتهت بانتصار الجناح الساداتي الذي فضل دور تدخلي غير مباشر للدولة مع إفساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في النشاط الاقتصادي.
ترافق ذلك مع تحول في الطابع البيروقراطي للنظام نحو مزيد من الطابع الأوليجاركي، فالطبقة البيروقراطية التي تكونت في الستينات والتي استطاعت أن تحقق ثروات من الوظيفة العامة كانت ترى أن التوجه نحو القطاع الخاص سيتيح لها فرص أكبر لمراكمة الثروة عن طريق إقامة تحالفات وتجمعات خارج الجهاز البيروقراطي(خاصة مع رأس المال الأجنبي والذي رأى في التحالف مع القطاع العام حماية له من التقلبات السياسية والاجتماعية). ويرى الكاتب أن جانب كبير من التطور السياسي في مصر في السنوات المقبلة (يقصد التسعينات وما بعدها) سيتوقف على نوع العلاقات القانونية والسياسية والشخصية التي ستتطور بين القطاع العام والخاص خاصة مع الحرية النسبية المتاحة لتحرك القيادات بين القطاعين.
وهنا يلفت الكاتب النظر إلى أن حقبة السادات تعتبر حركة بندول جديدة تشبه تلك التي حدثت في أعقاب إنهيار نظام محمد علي الاحتكاري التنموي، ولكن في حين تحولت الصفوة البيروقراطية في حالة محمد علي إلى ملاك أراضي، نراهم تحولوا في حقبة السادات إلى رجال أعمال.
وذكر الكاتب ملاحظتان:
1- أن فتح الباب أمام القطاع الخاص اقتصر على الأموال العربية والأجنبية ولم يدخل رأس المال الوطني اللعبة إلا متأخراً، فالتسهيلات كانت لرأس المال العربي أولاً (والذي ازدهر بعد حرب أكتوبر وانتهى بعد توقيع اتفاق كامب دافيد) ثم توسعت إلى رأس المال الأجنبي ولم يمتد شمولها لرأس المال المصري إلا في الثمانينات).
2- استمرار التوسع البيروقراطي وتضخم جهاز الدولة في حقبة السادات على الرغم من تقلص الدور الاقتصادي للدولة وتقليص القطاع العام في مقابل تزايد الوظائف الرقابية والسلطوية للنظام. فالانتفاح الاقتصادي لم يمتد إلى المجال السياسي والذي شهد المزيد من تكريس سلطات الرئيس والأجهزة التنفيذية. وإنشاء المزيد من الأجهزة الرقابية....

الخاتمة
قام الكاتب في الخاتمة بتلخيص لأهم الأفكار التي جاءت في دراسته:
1- أهمية منهج الاقتصاد السياسي لدراسة تطور الدولة في مصر، خاصة في ضوء نظريتي "نمط الإنتاج الآسيوي" لكارل ماركس و"الاستبداد الشرقي" لكارل فيتفوجل.
2- تطور الدولة في مصر كان على عكس تطور الدولة في أوروبا.
3- ظاهرة الدولة في مصر ظاهرة عميقة الجذور بخلاف الدول العربية الأخري التي لم تعرف ظاهرة الدولة إلا حديثاً وارتبط قيام الدولة فيها بالظاهرة الاستعمارية.
4- اتسم تطور الدولة في مصر بحركة بندولية تتراوح النخب فيها بين النمط البيروقراطي والنمط الأوليجاركي.
5- من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، الدولة كسوق موحد يسعى لتحقيق الاستقلال الاقتصادي بدأت في عهد محمد علي ولكن جهاز الدولة الذي أنشأه محمد علي تعرض لضعف شديد بعد وفاته وتحول كثير من البيروقراط إلى طبقة كبار ملاك الأرض وظلت هذه الطبقة هي الحاكمة حتى عام 1952.
6- كان افتقاد ثورة 1952 لظهير سياسي قوى أحد الأسباب التي جعلتها تعتمد على الجهاز البيروقراطي مما أدى إلى تضخمه، الظروف التي مرت بها مصر منذ عام 1966 وحتى حرب 1973 أدت إلى تطويع جهاز الدولة ودورها في السبعينات في اتجاه التحالف مع الرأسمالية العالمية، وهو الذي أدى إلى ظهور طبقة أوليجاركية ازدادت قوة مع الأيام.


ثم قدم الكاتب بعد ذلك لمحة استشرافية للدولة المصرية:
1- من المستبعد أن تتفتت الدولة المصرية ، فهي دولة ملمومة جغرافياً ذات تقاليد مركزية عميقة الجذور كما أن تطور الدولة وجهازها الإداري في مصر وصل إلى حد لن يسمح بحل هذه الدولة رغم الكثير من الضعف الذي أصابها والذي سيطرح أمامها المزيد من التحديات.
2- يتوقع الكاتب استمرار تفتت النخبة الحاكمة وتفجر صراعات أساسية فيما بينها حول القضايا المختلفة هذه الخلافات في ظل ظروف الأزمة التي تمر بها مصر قد تؤدي إلى استقطاب أطراف من المؤسسة العسكرية أو العمالية والجماهيرية بصورة تؤدي إلى تغيير في بنى الدولة الاجتماعية ونظامها السياسي حيث تتشابه الظروف الحالية في مصر بالظروف التي سبقت قيام ثورة 1952.
Profile Image for Ahmed  Elkholy.
251 reviews66 followers
April 25, 2017
كتاب عظيم الفائدة وشديد الاهمية لكل مهتم بالشأن العام يحكى تاريخ المركزية المصرية من تاريخ الفراعنة من السيطرة الجغرافية ومياه النهر والرى الى تتطور المركزية ف عهد محمد على وعبدالناصر وانفتاح السادات وتكون ��لطبقات الجديده ف كل مرحلة وقوة وسيطرة وحجم بيرقراطية الدولة ف كل وقت وعلاقتها بالاستعمار والقوى الاجنبية او تداخل مصالحها بالراسمالية التقليدية او الاجنبية ولمحات استشرافية لتاريخ الدولة

كتاب قادر على اعادة ترتيب افكارك عن الدولة وبيرقراطيتها عن طريق دراسة تاريخها وتطورها ,كتاب له ما بعده ف دراسة وفهم اكتر للدولة الحديثة
Profile Image for Ahmed Mohsen.
89 reviews256 followers
March 13, 2016
لا عطي 5 علامات كاملة إلا لكتب قليلة ، هذا الكتاب أحدهم .
لا غنى عنه لمن يريد ن يفهم مصر في العصر الحديث
Profile Image for محمد جمال.
3 reviews6 followers
December 22, 2017
كتاب متميّز ومفيد للغاية في فهم تطور الدولة المركزية في مصر ومنذ العصر المملوكي تحديدًا، وثد تطرق الكاتب للعديد من المشكلات الهامة وسأسعى خلال النقاط التالية تلخيص أبرز الأفكار التي استوقفتني في الكتاب:
1) بخلاف التحليل السائد في الآونة الأخيرة عن مثالب الدولة الوطنية في العالم العربي، إلا أن انسحاب هذا التحليل على مصر لا يُفضي غالبا إلى نتائج صحيحة، وذلك لتفرّد الدولة المصرية وعراقتها مقارنة بالدول العربية الأخرى التي نشأت نشأة استعمارية بامتياز، وتعاني من انفصال شبه كامل عن المجتمع مقارنة بالمجتمع المصري الذي تعوّد الدولة المركزية وباتت جزءًا من كيانه، وبالتالي يجب أن يكون التفكري الجاد في إصلاحها وتفعيلها بدلًا من تقليصها أو إزاحتها.
2 في فترات الحكم المركزي القوية التي تغيب فيها الصراعات الداخلية وتقل القوى الاجتماعية الفاعلة يتم بسهولة السيطرة على المجتمع والتحكم به بشكل كامل من قبل الدولة وذلك لغياب المؤسسات الاجتماعية الوسيطة مثل القبيلة وغيرها، ويرجع ذلك لطبيعة القطر المصري الزراعي (الهيدروليكي ) الذي يتشكل من فلاحين شبه منفردين وغير منتظمين في مؤسسات وطوائف تواجه الدولة، وكذلك في ظل غياب النظام الإقطاعي الذي يسهّل مهمة الفلاحين في مواجهة صاحب الإقطاعية الصغيرة، ففي الحالة المصرية التي يتعامل فيها الفلاح بشكل مباشر مع حكومة مركزية قوية مسئولة عن تنظيم الري والزراعة في القطر بأكمله تصبح مهمة الثورة أو تغيير السلطة مستحيلة.
3) أدى ذلك إلى تلازم السلطة والثروة في مصر، فكل من يسعى للثروة عليه المرور بالسلطة أولًا وذلك بخلاف المجتمعات الأخرى التي تكون الثروة فيها سبيلًا للسلطة، ومن ثم فليس هناك في مصر طبقة أوليغاركية تقوم بالحد من نفوذ السلطة الحاكمة أو توجيهها كما حدث في أوربا.
4) يخوض الكاتب مرحلة صعبة من التحليل الاقتصادي السياسي التاريخي لمصر منذ عهد محمد علي، ويكتشف خلالها أن كلا من محمد علي وجمال عبدالناصر حاولا استعادة نمط الدولة المركزية النقية التي تسيطر بالكامل على النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأن فشل كلا المشروعين أفضى إلى ضعف نسبي لهذه المركزية سمح بتكون طبقات أرستقراطية جديدة تكونت من مجموع الموظفين الحكوميين الذين استفادوا من الامتيازات التي منحها اياهم نظامي محمد علي وجمال عبدالناصر.
وعلى الرغم من تصنيف الكتاب ضمن محور الدولة والمجتمع في إطار مشروع مركز دراسات الوحدة العربية، إلا أن الكتاب لم يهتم كثيرًا بتحليل القوى .الاجتماعية المختلفة في مصر، واقتصر على تحليل الدور الاقتصادي للدولة المركزية في مصر وتحولاته من منظور اقتصاد سياسي
Profile Image for إيمان عبد المنعم.
469 reviews361 followers
March 23, 2016
يستعرض الكاتب تاريخ الدولة المركزية في مصر بدءا بمعناها الجغرافي السياسي منذ عهد الفراعنة ثم بمفهومها الأوروبي الحديث منذ عهد محمد علي ..
ويركز كثيرا على عهد محمد علي وعهد عبد الناصر كنموذجين شديدي الثراء لما بلغته فيها مركزية الدولة ورسوخها في مصر وما واجهته في أواخر كل مرحلة من تفكك وضعف يؤسس لمرحلة تالية مختلفة ...
بالنسبة لي رأيت الكتاب مهما جدا لاستيعاب بعض التحولات التاريخية ولمحاولة فهم نشأة الطبقة التكنوقراطية والجهاز البيروقراطي الضخم الذي يحكم خناقه على المجتمع المصري ومدى تداخل مصالحه مع مصالح النظام القائم وطبيعة العلاقة القائمة بينهما من ناحية وبينهما وبين المجتمع من ناحية أخرى .
Profile Image for Mo'men.
61 reviews45 followers
September 13, 2018
كان فى جملة سخيفة طلعت من سنتين تقريبا وبقت تريند اللى هى" أنت لخصت كل اللى بيحصلل فى السوشيال ميديا" أهو نزيه هنا عمل كده بصورة غير مخلة
شرحه لظاهرة التبرقط فى عهد عبد الناصر كان فى منتهى العظمة، البيروقراطيين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين فهمهم للسياسة بيكون فهم بيروقراطى لازم يتم عن طريق تنفيذ الأوامر و مفيش وقت للأختلاف فى وجهات النظرأو المصالح لذلك على حد وصفه أنهم قاموا بتحويل النظام السياسى الى "دولة ادارية". لكن ده
.مكنش كفاية وكان الوضع بيفرض عليهم تجاوز مجال الأدارة و الدخول فى المجال الأصعب وهو السياسة و الديموقراطية وده المجال اللى فشلوا فيه فشل ذريع نقطة المواطنة اللى أشار ليها هنا كانت مهمة جدا فعلى الصعيد الأقتصادى كان فيه تقدم لكن على مستوى المشاركة السياسية كانت ضعيفة جدا و ترتب على ذلك بعد النكسة ظهور خطيين متوازيين الأول تيار الأسلام السياسى و الثانى المقابل له تيار المسيحية السياسية
استبعاد المثقفين الأقباط من المشهد السياسى العام أدى الى صراعات داخل الجماعة القبطية ونتج عنه تأييد كبير لهذا التيار.
الخواء السياسى اللى كان فى الستينيات و المحاولات الهزلية لاضفاء صبغة سياسية ومحاولة للحل سواء كانت الأتحاد الأشتراكى
أو القائد الشعبى ذو الكاريزما الطاغية لدى الجماهير لم تترجم اللى مؤسسات سياسة تربط اللدولة بالمجتمع وده أترجم لما السادات قام بثورة التصحيح وشال كل شلة الأتحاد الأشتراكى و القادة الناصريين ومفيش ولا واحد فيهم قدر يرفع شماعة حتى ولا يحرك الجماهير
فالنموذج السياسى ده أدى الى الأعتماد على المؤسسة العسكرية و الأجهزية الأمنيةلتدعيم وضمان بقاء النظام وكمكافأة لهم على القيام بالثورة وعلى تضحياتهم أصبح لهم ما يسميه فاتيكيوتس "دولة العسكر" فالتمتع بالوظائف القيادية فى كافة المجالات والأستقلال السياسى و الوظيفى رمى بمبدأ أهل الخبرة بعرض الحائط و تحويل الجيش الى جهاز سياسى بل دولة داخل الدولة سببت فى بعض الأحيان شرخا فى وحدة كيان الدولة السياسى والقانونى
متمثلا فى صراع السيطرة بين عبد الناصر و عبد الحكيم الذى خرج منه الأول منتصرا بفضل هزيمة 67.

"تاريخ مصر تسوده من ان لاخر حركة شبيهة بحركة البندول حيث يتبدل الطابع السائد للدولة و النظام السياسى من طابع مركزى بيروقراطى ذى توجه داخلى الى طابع لامركزى أوليغاركى ذى توجه خارجى. ولا يكون هذا التوجه عادة مفاجئا ولايكون التحول كاملا اذ يظل النمط البيروقراطى منطويا فى العادة على عناصر أوليغاركية ولامركزية كما يظل النمط الأوليغاركى محافظا على عناصر تسلطية وبيروقراطية مختلفة."

كتاب مبذول فيه جهد عظيم وشديد الأهمية
Profile Image for Mazen.
252 reviews36 followers
October 14, 2021
خسارة فقدان نزيه الأيوبي في هذا السن الصغير، أطروحاته مهمة جدًا و أعتقد أنها لازمة لفهم تطور الاقتصاد و شكل الدولة المصرية و أكثر شمولية من كتابات جلال أمين و خالد فهمي.
May 5, 2021
بدأ الكاتب دراسته بتحديد المنهج المستخدم ألا وهو منهج الاقتصاد السياسي (وهو المنهج القائم على دراسة الدولة ليس ككيان موحد أو متجانس، وإنما ككيان يشهد ويختبر عدداً من عمليات الصراع والمساومة والإرغام والتراضي بين المصالح) موضحاً أنَّ هذا المنهج لم يتم الاستفادة منه من قبل في دراسة الدولة في مصر نظراً لهيمنة المدرسة السلوكية على علماء السياسة المصريين، فكانت أغلبيَّة المُقاربات لهذا الموضوع من زاوية ”النظام السياسي“.
وبناءاً على ذلك رأى الكاتب أنَّ الدولة في مصر ومركزيتها، تدعمتا أولاً لأسباب جغرافية سياسية بسبب نهر النيل ومتطلبات الري، ثم جاء محمد علي فبنى رموز الدولة القانونية الحديثة من وزارات ومجالس وبيروقراطية، ومن ثم جاءت الرأسمالية المصرية فبنت النظام الصناعي الرأسمالي المصري في فترة ما بين الحربين. وقد مرَّت المرحلة الأخيرة (نقصد هنا المرحلة الرأسمالية) بثلاث حقب وهي: الحقبة الليبرالية، والحقبة الناصرية، وحقبة الانفتاح. وبمقارنة ذلك مع النمط الأوربي يرى الكاتب أنَّ نمط بناء الدولة في مصر كان معكوس النمط الأوربي بشكل كامل؛ حيث ظهرت الرأسمالية في النموذج الأوربي أولاً، ثم طوَّرت رموز الدولة القومية وأنشأت أجهزتها ثانياً، ثم تمكنت بذلك من تدعيم المركزية في النهاية.
كما يرى الكاتب أنَّ تحديد نشأة ”الدولة“ في مصر هو أصعب من تحديده بالنسبة لبلدان العالم العربي الأُخرى كون أغلب البلدان العربية لم تعرف ظاهرة الدولة إلا من خلال الاستعمار، الأمر الذي جعل من فكرة الدولة في البلدان العربية الأُخرى صنيعة أوروبية لم تستقر فيها تقاليد عريقة للدولة المركزية بل كان أحد أدوات الاستعمار الأوروبي في سيطرته على المجتمعات العربية عموماً من خلال خلق مفهوم الدولة فيها، في حين أنَّ السيطرات الاستعمارية في مصر حاولت إضعاف جهاز الدولة المصرية كما حدث في تجربة محمد علي.

من وجهة نظر الكاتب تعتبر قصة الدولة في مصر هي قصة التحول من نمط ”شرقي للإنتاج“ إلى نمط ”رأسمالي“، لذا؛ يرى الكاتب أنَّ فهم ظاهرة الدولة في مصر بتعبيرها القانوني والسياسي والاجتماعي يلا يمكن أن يتم دون الاحاطة بالتطورات الاقتصادية التي طرأت على المجتمع. ولهذا السبب عَرَّج الكاتب في مقدمته على بعض معالم الدولة الشرقية ونظريتي النمط الآسيوي للانتاج لكارل ماركس، ونظرية الاستبداد الشرقي لكارل فايتفوجل لتوضيح المفاهيم الأساسية التي سيستند الكتاب عليها.

في تفسير جذور وتطور الدولة المركزية في مصر، عاد الكاتب إلى الأساس؛ حيث رأى أن تكوين الدولة في مصر يرجع إلى العهد الفرعوني وتحديداً لما مثله العامل الجغرافي (نهر النيل) من أهمية في ضرورة ضبط مياهه، وقياس مساحة الأراضي لما كان يسببه (نهر النيل) من فيضانات أو انخفاض في المنسوب الذي يؤثر بدوره على الزراعة. كل تلك العوامل التي صاحبت نهر النيل جعلت من العامل الجغرافي (نهر النيل) واحداً من أهم أسباب قيام الدولة المركزية في مصر. ولذلك؛ اصبح اهتمام الحكام المصريين على مر العصور بنهر النيل من أهم الواجبات التي ساعدتهم على تدعيم مركزية الدول.
بالطبع لم يكن نهر النيل عاملاً وحيداً في تدعيم مركزية الدولة المصرية وإنما صاحبه في هذا الاهتمام عاملين أخرين ساعدا في تسهيل وتدعيم هذه المركزية هما ملكية الدولة للأراضي التي ترافقت مع ضعف الملكية الفردية، فضلاً عن العامل الديني الذي رافق المجتمع المصري سواء في العصر الفرعوني أو عندما تحولت مصر إلى ولاية عربية.
وبذلك يمكن القول أنَّ كل ما سبق مجتمعاً كان له أثراً واضحاً في ضرورة إنشاء أجهزة إدارية معاونة للحاكم والحُكم لها تراتبيات وتقسيمات محلية إدارية اختلفت في تعقيداتها بدءاً من العصر الفرعوني، مروراً بفترة محمد علي، وحتى يومنا هذا.

وفي دراسة تراتبية هذه المركزية وتطورها يرى الباحث أنَّ فترة الحكم العثماني شهدت بعض الإضراب في المركزية حينما بدأ الصراع بين السلطة العثمانية المتمثلة في الوالي العثماني ومعاونوه من جانب، ورجال محمد علي المماليك أصحاب الوجود القوي على الأرض. ظلَّ هذا الصراع واضحاً حتى الحملة الفرنسية على مصر والتي كانت حسب رأي الكاتب أول صدمة حضارية - من خلال التنظيمات الإدارية التي أدخلها محمد علي على الحكم في مصر بشكل متشابه إلى حد بعيد مع النظم الفرنسية - تركت أثراً على الدولة في مصر حتى بعد خروج الفرنسيين عام 1801.
وفي توضيح ذلك يرى الكاتب أنَّ محمد ع��ي عمد على توزيع الأراضي والإقطاعيات المعفاة من الضرائب كعطايا وهبات، وخلق طبقة جديدة من الملاك والقائمين على الجباية في محاولة لأن تكون لمصر نمطاً غربياً من التحول الرأسمالي ولكن بنفس النمط الشرقي للدولة، وقد تجلّى ذلك من خلال خلق طبقة من الملاك الجدد من أسرة محمد علي، وإدخال صفوة الفنيين الأجانب من الأرمن والشراكسة والأتراك والمماليك على الرتب العليا داخل الجيش المصري، الذين أصبحوا كبار الملاك بسبب نفوذهم داخل السلطة المركزية التي أسسها محمد علي، مع المحافظة على تقاليد الملكية المتواجدة في القاهرة، إلاَّ أنَّ الغالبية العظمى من المصريين حسب وصف الكاتب استمرت في حالة من العبودية التي كانت أقرب إلى العمل بالسخرة.

مع ضعف محمد علي، وتحول طبقة الموظفين التي أنشأها إلى صفوة بيروقراطية مالكة للأرض، انتقل نظام الاحتكار من سيطرة الدولة على بعض الصناعات إلى وقوعها تحت يد البرجوازية الأوروبية، والتجار الأجانب. وبعد انتقال الحكم إلى الخديوي إسماعيل، حاول الخديوي إدخال بعض الإصلاحات لتطوير مصر مما يخفف الطابع المركزي، فبات جهاز الدولة في عهد إسماعيل يرأسه الخديوي ويعاونه جهاز للدولة هيمن عليه الانجليز. هذا التطوير أدى إلى الانفصال بين الدولة والطبقة المالكة الأمر الذي كان له سبب على اندلاع ثورة 1919 كعلامة على محاولات الطبقة المصرية الجديدة الصراع مع الاحتلال لتحقيق الاستقلال التي ظهرت عبر صورها السياسية في تأسيس حزب الوفد وفي صورتها الاقتصادية في تأسيس بنك مصر.

* يُرجع الكاتب جذور هذه الطبقة إلى بداية عصر محمد علي والتي يرى أنَّها لعبت دوراً هاماً في توليه السلطة، إلَّا أنَّ محمد علي ما لبث أنْ تنكر لها خشية من أن تقوى سلطتها وفضلَّ على الأخيرة الخبرات الأجنبية والبريطانية تحديداً في العديد من المشاريع التي مكنت البرجوازية الأوروبية من السيطرة على طرق المواصلات بين القاهرة والاسكندرية.
بعد ثورة 1919 جاءت ثورة 1952 سعياً لاستكمال بناء الدولة المصرية الوطنية الحديثة فضلاً عن تحقيق مستوى عال من استقلالية الاقتصاد المصري، الأمر الذي جعل من كل الإعلانات الدستورية بين عامي 1953-1962 هادفة لتكريس السلطة التنفيذية في يد الزعيم الكاريزمي وحده.
تميَّز البعد السياسي لهذه الفترة (العهد الناصري) حسب توصيف الكاتب بأبعاد تمثلت بـالقضاء على نفوذ الطبقات المعادية للثورة، واستمالة الفلاحين وتغلغل أجهزة الدولة في الحياة الريفية، إضافة إلى تحويل جزء من الفائض الاقتصادي المتولد من القطاع الزراعي إلى التنمية الصناعية. وبناءاً عليه يرى الكا��ب أنَّ هذه الأبعاد ساهمت وبشكل ملحوظ في زيادة نصيب القطاع الصناعي من الدخل القومي إلى 20%، إلَّا أنَّ ضعف عملية البناء السياسي كانت واضحة؛ إذ ظل عبد الناصر معتمداً على كارزميته ولم يسعى إلى تحويلها إلى مؤسسات أو تقاليد سياسية. كما يرى الكاتب أنَّ عبد الناصر اعتمد على البيروقراطية بشكل كبير مما أدى إلى صبغ سياسته بسمتين تمثلت أولاها بالمركزية وتوسع دور الدولة من خلال عمليات التأميم الاقتصادية والسياسية، في حين كانت الميزة الثانية تتمثل بالبيروقراطية التي انتقت الموظفين الذين يتم اختيارهم بناءاً على الثقة وليس الخبرة وقد طُبِّقت هذه السياسية بدءاً من الجهاز الإداري المتمثل بجميع وزاراته بما فيها وزاراتي الأوقاف والشؤون الشؤون الاجتماعية، مروراً بالاتحاد الاشتراكي ونقابات العمال والتنظيم الطليعي وغيرها وصولاً إلى المنظمات والأنشطة السياسية.
أدى هذا التغير السياسي إلى تحول طبقي برز من خلال تبدل الطبقة البرجوازية واستبدالها بطبقة رسمية جديدة تكونت من مديرين وضباط وتكنوقراط عملت على قيادة القطاع العام إضافة إلى سيطرتها على الحياة الاقتصادية في مصر. إلَّا أنَّ العجيب حسب رأي الكاتب أن هذه الطبقة الجديدة هي من تنكرت للسياسات الاشتراكية وأيد سياسيات الانفتاح الاقتصادي التي حصلت فيما بعد.

على أثر هذه السياسيات، عانت مصر من أزمة انكماش اقتصادي واجهتها مع مطلع عام 1965 وتفاقمت هذه خلال عام 1966 بسبب الإنفاق العسكري وزاد حدَّتها سوءاً هزيمة 1967 الأمر الذي جعل من استمرار الدولة في أداء دورها التنموي والرفاهي أمراً غير ممكن. ولذلك؛ عمل السادات بعد وفاة عبد الناصر على الإطاحة برموز التيار الناصري فيما عرف بثورة التصحيح في مايو 1971. ثم جاءت حرب أكتوبر والتي مكنت حكم السادات من إخماد أهم مظاهر حركة التذمر الشعبي مع إفساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في النشاط الاقتصادي. ترافق هذا التحول مع انتقال نمط العمل من نمط بيروقراطي إلى مزيد من الأوليجارشي، فالطبقة البيروقراطية التي تكونت في الستينات والتي استطاعت أن تحقق ثروات من الوظيفة العامة كانت ترى أن التوجه نحو القطاع الخاص سيتيح لها فرص أكبر لمراكمة الثروة عن طريق إقامة تحالفات وتجمعات خارج الجهاز البيروقراطي. يقارب الكاتب بين حقبة السادات وحقبة محمد علي في هذا الجانب مستخلصاً أنَّ حقبة السادات تعتبر حركة بندول جديدة تشبه تلك التي حدثت في أعقاب إنهيار نظام محمد علي الاحتكاري، ففي الوقت الذي تحولت فيه صفوة البيروقراطية في حالة محمد علي إلى ملاك أراضي، نراهم تحولوا في حقبة السادات إلى رجال أعمال.
Profile Image for Ahmed Yehia.
38 reviews
August 29, 2022
كتاب قليل الصفحات لكن أفكاره جميلة و مرتبة. الكتاب فكرته الأساسية هي الإختلاف بين نشأة الدولة في الشرق و الغرب. الدولة في الغرب دائما ما تحكمت في وسائل الانتاج (مشروعات الري قديما و وسائل الصناعة حديثا) و بين الغرب الذي ظهرت فيه طبقة من التقنيين و التجار(البرجوازية) امتلكت وسائل الانتاج و بناء عليه افرزت دولة تحتكر وسائل العنف و تمارسه طبقا لقانون تشرعه مجالس منتخبة. بناء عليه المجتمع الشرقي ينتظر من الدولة التحديث و الرعاية الاجتماعية و الوظائف و لا يرى اي فائدة في تنظيم نفسه في أحزاب او جماعات اهلية لان جهاز الدولة يقوم بعملها في ما يشبه سلطة أبوية لا سبيل لمراجعتها. على العكس من الغرب الذي يشعر الفرد فيه بالاستقلال الفردي و الاقتصادي عن الحكومة و لا ينتظر من الحكومة سوء إنفاذ القانون الذي تضعه الهيئات المنتخبة. انصح بقراءة الكتاب فهم مهم و فكرته واضحة و مباشرة.
.
Profile Image for أحمد شرف .
63 reviews7 followers
January 7, 2019
كتاب مهم جدًا ، يعتبر واحد من الكتب المؤسسة لفهم ظاهرة الحراك الاجتماعي في التاريخ المصري ومفهوم الدولة المصرية ودورها وعناصر تكوينها وقوة تأثيرها وعلاقتها بالمجتمع والأفراد ، ويحلل لطبقاتها وسلطتها المهيمنة ويسرد علاقات التشابك بين الدولة والمجتمع عبر خطوط متقاطعة من الفراعنة وتأثير نهر النيل عليهم الى محمد علي بإيجاز، ثم يفصّل بإسهاب الدولة المصرية الحديثة من عصر محمد علي حتى الانفتاح الاقتصادي وانتهاءً بموت السادات ، من خلال فصول مختلفة ومواضيع متداخلة ، بشكل يخلو من الإطناب أو التلخيص المجحف .
كتاب يستحق خمس علامات كاملة لما فيه من تحليل تفصيلي ومعلومات وافية ومهنية أكاديمية يُحسد عليها الباحث المدقق د.نزيه أيوبي رحمه الله .
19 reviews18 followers
January 8, 2016
اول كتاب خلصته في 2016, كتاب "الدولة المركزية في مصر" للدكتور نزيه أيوبي
كتاب عظيم الصراحة عل�� عدة مستويات زي اول كتاب خلصته في 2015 (الدولة المستحيلة لوائل الحلاق) في الحقيقة أنا بفكر اعمل زي نوع المقابلة أو القراءة الموازية للكتابين لأن كل واحد فيهم بيبص من منضار مختلف لنفس الموضوع تقريبا.
يعني بالنسبة لوائل الحلاق الدولة المركزية في العالم الإسلامي بتبدأ بعد نشأتها في العالم الغربي إبتداءا من تجربة محمد علي مثلا أما بالنسبة لنزيه أيوبي فبداية الدولة المركزية الشمولية في مصر بتبدأ من قبل كدة بكتير من زمن الفراعنة مرورا بالدول الإسلامية المختلفة إنتهاءا بدولة العسكر بتاعة الضباط الاحرار
الإختلاف ده بسبب إن كل واحد بيبص من منظور مختلف, كتاب نزيه أيوبي مبنى على نظريات الإقتصاد السياسي و تحليل الطبقات المختلفة المؤثرة في شكل الدولة أما كتاب وائل الحلاق معتمد على تحليل فلسفة الدولة الحديثة والمفاهيم المرتبطة بيها وتأثيراتها ربما بمعزل نوعا ما عن التطبيق الفعلي ليها على مستوى دول العالم الإسلامي
خلينا نركن كتاب وائل الحلاق على جنب شوية دلوقتي ونركز على كتاب نزيه أيوبي, هنلاقيه دخل من مدخل تحليل شكل "النمط الأسيوي" أو "الإستبداد الأسيوي" وده زي ما فهمت مصطلح كان سائد في فترة بين مثقفي اليسار لتبرير فكرة إزاي ان دول الشرق ما اتبعتش النموذج التطوري الي حطه ماركس وازاي ان ده مرتبط بشكل الإقتصاد عندهم القائم على الري والزراعة المنظمة وإختلاف شكل الإقطاع عندهم
بينتقل بعد كدة لشرح شكل نظام الحكم الي ساد في مصر بالتحديد على مر عصورها والي هو بيفضل يستخدمله نموذج البندول بمعنى أن شكل الحكم في مصر طول عمره بيتأرجح بين حكم البيروقراطية الي مع الزمن بتتفكك وتتحول لاوليغارشية ثم العكس وازاي ان النظام ده استمر حتى بعد حركة التحديث بتاعة محمد علي وثورة يوليو بتاعة الضباط الاحرار
ثم بدء فصفصة التاريخ المصري لفترات شرح من خلالها نظريته دي وشرح دور الدولة وشكلها وشكل المجتمع وطبقاته على مدار كل فترة بالتركيز على دولتي محمد علي وجمال عبدالناصر بالتحديد وفي الاخر اتكلم بالتفصيل بردو عن فترة الإنفتاح الساداتيه و فكك الأساطير الي بنيت عليها نوعا ما
المشكلة الرئيسية بالنسبالي مع الكتاب انه عنده نوع من القصور في فهم التيار الاسلامي بالتحديد باعتبار التيار الاسلامي قائم على افكار وروابط خارج منظور الإقتصاد السياسي والطبقات القائم عليها الكتاب
الجزء الاستشرافي في الكتاب قليل وضعيف نوعا ما ودي طبيعية الدراسات الي زي كدة عموما بس في الاخر الكتاب عظيم ومهم ومفيد ويستحق خمس نجوم
Displaying 1 - 14 of 14 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.